فصل: بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ:

(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَإِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الْآيَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ.
(وَقَالَا: يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قُلْنَا: فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ (وَيَجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ) اعْتِبَارًا بِصَلَاةِ الْعِيدِ.
الشرح:
بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ».
قُلْت: أَمَّا اسْتِسْقَاءَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ، وَأَمَّا إنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ، فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، بَلْ غَايَةُ مَا يُوجَدُ ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَدَمُ وُقُوعِهِ، فَهَذَا كَمَا رُدَّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إيجَابِهِ الْعُمْرَةَ، بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْخَثْعَمِيَّةَ أَنْ تَقْضِيَ الْحَجَّ عَنْ أَبِيهَا، وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ عَنْهُ، فَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الْعُمْرَةِ، وَلَكِنْ حَفِظَ الرَّاوِي بَعْضَهُ وَنَسِيَ بَعْضَهُ، أَوْ حَفِظَهُ كُلَّهُ، وَلَكِنْ أَدَّى الْبَعْضَ، وَتَرَكَ الْبَعْضَ، يَقَعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ السُّؤَالِ وَالْحَاجَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ الِاسْتِسْقَاءُ دُونَ الصَّلَاةِ، مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِثْنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، قَالَ أَنَسٌ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ، مِنْ سَحَابٍ، وَلَا قَزَعَةٍ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَمْ يَزَلْ الْمَطَرُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكُهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ، قَالَ: فَانْقَلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ».قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، أَهْوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَقَامَ إلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ»، وَفِي لَفْظٍ: «ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقَ»، وَفِي لَفْظٍ: «ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ»، وَفِي هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ، أَنَّ الْقَائِلَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ شَكٌّ وَتَرَدُّدٌ، وَمِمَّا وَرَدَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ مَعَ الِاسْتِسْقَاءِ، مَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَدَعَّى وَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» انْتَهَى.
زَادَ الْبُخَارِيُّ: فِيهِ «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ»، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ، كَصَلَاةِ الْعِيدِ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: أَرْسَلَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَكَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبْتَذِلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى، فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّكْبِيرِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَسَكَتَ عَنْهُ.
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: رِوَايَةُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلَةٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ، مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَمِيرٌ مِنْ الْأُمَرَاءِ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلَهُ عَنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا فِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ وَهِشَامٌ هُوَ: ابْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ، فَنَسَبَهُ بِجَدِّهِ، وَتَرَكَ اسْمَ أَبِيهِ، فَإِنَّ الْبَاقِينَ، قَالُوا: عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَرْسَلَنِي، الْحَدِيثَ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى، فَاسْتَسْقَى، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ»، وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، يَقُولُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبُ الْأَذَانِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ، بَلْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، وَالْأَوَّلُ كُوفِيٌّ. انْتَهَى.
وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ».
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ: كَصَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهَا تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ، قَالَ: «أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ، فَقَالَ: سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ، إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَيَسَارَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ، وَقَرَأَ بِ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}، وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ»، انْتَهَى.
قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: ضَعْفُ الْحَدِيثِ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا، قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ: رَوَى عَنْ الثِّقَاتِ الْمُعْضَلَاتِ، وَيَنْفَرِدُ بِالطَّامَّاتِ عَنْ الْأَثْبَاتِ، حَتَّى سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ: هُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ إخْوَةٍ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ: مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعِمْرَانُ، بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُوهُمْ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَجْهُولُ الْحَالِ، فَاعْتَلَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا، انْتَهَى كَلَامُهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ نَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إلَّا تَكْبِيرَةً»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: وَرَوَى فِيهِ أَيْضًا، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ ثَنَا أُبَيٌّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُسُوفَ، قَالَ: «لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلِ صَلَاةِ الصُّبْحِ»، انْتَهَى.
(ثُمَّ يَخْطُبُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ» ثُمَّ هِيَ كَخُطْبَةِ الْعِيدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ (وَلَا خُطْبَةَ) (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَطَبَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ».
قُلْت: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ بِلَا أَذَانٍ، وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ خَطَبَنَا، وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ»، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ، انْتَهَى.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ صَدُوقٌ، لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ كَبِيرٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ»، انْتَهَى.
وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِهِ، بِلَفْظِ «فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ»، إلَى آخِرِهِ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «شَكَا النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَدْعُوهُ وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْت لَنَا قُوتًا، وَبَلَاغًا إلَى حِينٍ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ، حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ، إلَى الْكِنِّ، ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ»، انْتَهَى.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِيَ عَشَرَ، مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. انْتَهَى.
وَهَذَا كَلَامٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَالْمَوْعِظَةِ وَالدُّعَاءِ، سِيَّمَا، وَقَدْ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد: «أَنَّهُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ»، وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ الْعَكْسُ، وَلَعَلَّهُمَا وَاقِعَتَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبِمَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، أَنَّ الْخُطْبَةَ تُسَنُّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَا تُسَنُّ، وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ كِنَانَةَ الْمُتَقَدِّمَ، وَفِيهِ: «فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ»، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ، قُلْنَا: مَفْهُومُهُ أَنَّهُ خَطَبَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَيْنِ، كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَكِنَّهُ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً، فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ، وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ، فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَ الْخُطْبَةِ، بِأَنَّهَا كَانَتْ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي ضِمْنِهَا إجَابَةً لِلسَّائِلِ، كَمَا تَقَدَّمَ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يَخْطُبُ»، الْحَدِيثَ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِالدُّعَاءِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» (وَيَقْلِبُ رِدَاءَهُ) لِمَا رَوَيْنَا، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ، لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رَوَاهُ كَانَ تَفَاؤُلًا (وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ (وَلَا يَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ) لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ».
رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: «وَقَلَبَ رِدَاءَهُ»، وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ «جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ».
وَفِي لَفْظ لِأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ: «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ»، وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد، قَالَ: «اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا، فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ، قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ»، وَزَادَ أَحْمَدُ: «وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ».
قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَهَذَا اللَّفْظُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْقَلْبَ غَيْرُ التَّحْوِيلِ، وَلَكِنَّ الثَّوْبَ إذَا كَانَ لَهُ طَرَفَانِ، كَالْكِسَاءِ وَنَحْوِهِ، يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَلْبِ، وَالتَّحْوِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَقْلِبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ، مُشْكِلٌ، لِأَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ، وَأَيْضًا فَالْقَوْمُ قَدْ حَوَّلُوا بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيرُ الشَّارِعِ حُكْمٌ، كَمَا وَرَدَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، فَقَلَبَهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَتَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ».
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ تَحْوِيلَ الرِّدَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَفَاؤُلًا، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ هَيْئَةٍ إلَى هَيْئَةٍ، وَتَحَوُّلٌ مِنْ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ، لِيَكُونَ ذَلِكَ عَلَامَةً لِانْتِقَالِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، وَتَحَوُّلِهِمْ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ.
قُلْت: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَصَحَّحَهُ، وَفِيهِ: وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَفِي الطُّوَالَاتِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَلَكِنْ قَلَبَ رِدَاءَهُ، لِكَيْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ، وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ: لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ، ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ.

.بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ:

(إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ جَعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ: طَائِفَةً إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَطَائِفَةً خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وِحْدَانًا بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى وَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ بِقِرَاءَةٍ) لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ.
(وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا) وَالْأَصْلُ فِيهِ رِوَايَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ» عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي قُلْنَا، وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا فَهُوَ مَحْجُوجٌ عَلَيْهِ بِمَا رَوَيْنَا.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ:
رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ»، طَائِفَةً: خَلْفَهُ وَطَائِفَةً: عَلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مَضَتْ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ، إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَتَشَهَّدَ، وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُسَلِّمُوا، وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وِحْدَانًا، بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا، وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، بِقِرَاءَةٍ، وَتَشَهَّدُوا، وَسَلَّمُوا.
قُلْت: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ خَصِيفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامُوا صَفًّا خَلْفَهُ، وَصَفٌّ مُسْتَقْبِلُ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ، فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ، وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ، فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ هَؤُلَاءِ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا.
انْتَهَى.
ورَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: أَبُو عُبَيْدَةَ، لَمْ يُسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ، وَخُصَيْفٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَيُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ، قَالَ: «غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ، فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا، فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ»، انْتَهَى.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، كَانَ قَضَاؤُهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَبْقَى الْإِمَامُ كَالْحَارِسِ وَحْدَهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، كَانَ قَضَاؤُهُمْ مُتَفَرِّقًا عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ، وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ نَصُّ أَشْهَبَ، مِنْ أَصْحَابِنَا، خِلَافَ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ: وَأَبُو يُوسُفَ، وَإِنْ أَنْكَرَ شَرْعِيَّتَهَا فِي زَمَانِنَا، فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا.
قُلْت: يُشِيرُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ إنَّمَا يُنْكِرُ شَرْعِيَّتَهَا بَعْدَ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَقُولُ بِهِ، وَتَبِعَ أَبَا يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْمُزَنِيّ، وَمُسْتَنَدُهُمْ خُصُوصُ الْخِطَابِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةَ.
وَلِأَنَّ فِيهَا أَفْعَالًا مُنَافِيَةً لِلصَّلَاةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الْخِطَابِ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ وَالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَالْأَفْعَالُ الْمُنَافِيَةُ إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قُلْت: قَدْ وَرَدَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي بَابِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ، قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا، عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ، إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ آخَرُ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَتَقُومُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ، وَوُجُوهُهُمْ إلَى الْعَدُوِّ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُونَ إلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، وَيَجِيءُ أُولَئِكَ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، فَهِيَ لَهُ ثِنْتَانِ، وَلَهُمْ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَفَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، انْتَهَى.
وفِيهِ أَيْضًا آثَارٌ: مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ يَعْنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ عَقِيبَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي الْآثَارِ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي زَمَانِهِ.
قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا) (صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَبِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّ تَنْصِيفَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَجَعَلُهَا فِي الْأُولَى أَوْلَى بِحُكْمِ السَّبْقِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى الظُّهْرَ بِطَائِفَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
قُلْت: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَالَ: كُنَّا إذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ، فَأَخَذَهُ، فَاخْتَرَطَهُ، ثُمَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْك، قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَغْمَدَ السَّيْفَ، وَعَلَّقَهُ، قَالَ: ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ»
، انْتَهَى.
وَلَمْ يَصِلْ الْبُخَارِيُّ سَنَدَهُ بِهِ، فَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ: وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَهُ، وَوَهَمَ شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُقَلِّدًا لِغَيْرِهِ، فَقَالَ: أَخْرَجَاهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي كِتَابَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ مَعَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ وَصَلَ سَنَدَهُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ، شَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ، عَقِيبَ ذِكْرِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا: وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ، كَأَنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَقَالَ مَنْ قَلَّدَهُ الشَّيْخُ: وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ وَهْمٌ، أَمَّا النَّسَائِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصْلًا، لَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَلَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَمَّا أَبُو دَاوُد، فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ»، انْتَهَى.
وَهَذَا هُوَ حَدِيثُ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ فِيهِ ذِكْرُ الظُّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَلَّمَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَيْسَ صَرِيحًا، فَلِذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَمِنْهُمْ النَّوَوِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي غَيْرِ حُكْمِ سَفَرٍ، وَهُمْ مُسَافِرُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ، وَقِيلَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَقِّلِ، وَيُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ فَاخْتَارَ الْإِتْمَامَ، وَاخْتَارَ لِمَنْ خَلْفَهُ الْقَصْرَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ فِي حَضَرٍ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ، عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ خَوْفٌ، فَخَرَجَ مِنْهُ مُحْتَرِسًا، انْتَهَى.
قُلْت: قَدْ يَتَقَوَّى هَذَا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ عُلَيَّةَ، أَوْ غَيْرُهُ عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ، بِبَطْنِ نَخْلَةَ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ. انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَنْبَسَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُحَاصِرًا لِبَنِي مُحَارِبٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ»، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إلَّا أَنَّ فِيهِ شَائِبَةَ الِانْقِطَاعِ، فَإِنَّ شَيْخَ الشَّافِعِيِّ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْوَاسِطِيُّ، ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَمْ يُحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ قَطُّ فِي حَضَرٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَرْبٌ قَطُّ فِي حَضَرٍ إلَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَمْ يَكُنْ آيَةُ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورَ، قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الْفَرِيضَةُ تُصَلَّى مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ، حَتَّى نُهِيَ عَنْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فَرِيضَةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ»، قَالَ: وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْإِبَاحَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي، أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ: ذَاتُ الرِّقَاعِ وَبَطْنُ نَخْلٍ وَعُسْفَانُ وَذِي قَرَدٍ، فَحَدِيثُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ الْحَدِيثَ.
وَحَدِيثُ بَطْنِ نَخْلَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَخْلٍ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ»، الْحَدِيثَ، وَحَدِيثُ عُسْفَانَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ زَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ، وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، الْحَدِيثَ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِلَفْظِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ، قَالَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ، وَحَدِيثُ ذِي قَرَدٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، الْحَدِيثَ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ وُهَيْبٍ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ: أَوَّلُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ صَلَّاهَا بَعْدُ بِعُسْفَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُ سِنِينَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.
(وَلَا يُقَاتِلُونَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ) (فَإِنْ فَعَلُوا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا.
(فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءُوا، إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وَسَقَطَ التَّوَجُّهُ لِلضَّرُورَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِجَمَاعَةٍ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِانْعِدَامِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ، أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ: يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ، وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقِتَالُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ فَعَلُوهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ قَالَ: لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ مَعَ الْقِتَالِ لَمَا تَرَكَهَا.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ، فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ صَلَاةِ الْخَائِفِينَ، مَتَى لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِهَا عَلَى وَجْهِهَا، وَيُؤَخِّرُوهَا إلَى أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِتَأْخِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ إنَّمَا شُرِعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: قِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهِيَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: إنَّهَا شُرِعَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ صَلَاةَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَذَكَرَهُ، إلَى أَنْ قَالَ: ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَنْدَقِ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ، انْتَهَى.